فوق من الوسم الهد المغلق -------------------------------------- -->

الأحد، 20 أغسطس 2017

مذكرات حامل الدعوة || دورة خضوري التربوية في طولكرم

دورة خضوري التربوية
اعتقالي وسجني شهراً ونفيي للخليل ستة أشهر


 
في صيف العام الدراسي 1958م دُعيت لحضور دورة تربوية في مدرسة #خضوري الزراعية في #طولكرم ، اتصلت أثناء وجودي في الدورة بشباب الحزب في البلدة ليوافوني بالنشرات إذا حصلت .
فبعثوا إليَّ نشرة بعنوان : (( سياسة التجهيل )) فوزعتها على المعلمين الذي يحضرون الدَّورة، وعددهم مائة وخمسون وأعطيت نشرة لأحد شباب الحزب واسمه (( اسحاق الطيطي )).

ووزعت في الأسبوع الثاني نشرة بعنوان : (( إلى متى يظل الناس في السجون؟)) وأعطيت مجموعة منها لأحد الشباب في الدورة واسمه (( عز الدين عيده )) ووزعنا ما كان معنا من نشرات، فأعطى (( عز الدين عيده )) النشرة لمعلم بعثي فأوصلها بدوره إلى مدير الدورة فاستدعى المخابرات ، وحققوا مع (( عز الدين عيده )) .

وقبل أن يأخذوه أخبرني بالأمر ، فقمت بدوري وجمعت ما وزعتُ، ونزلت إلى حرش المدرسة وأخفيتُ النشرات ، ونسيت نشرتين في (( جاكيتي )) أي معطفي .

وكان بحوزتي كتاب (( نظام الإسلام )) وفي الصباح الباكر ، وقبل قيام المعلمين من النوم، خرجت من المدرسة، وذهبت إلى البلدة، وحذرت الشباب هناك وأخبرتهم بما حصل، وعدت على الفور إلى المدرسة.

وجاء رجل المخابرات وأخذوا يفتشون أوعية المعلمين وسررهم، فأخرجتُ كتاب (( نظام الإسلام )) ووضعتُه تحتي على السرير ، وفتحتُ (( الشنطة )) أي الحقيبة للتفتيش، وكلما كانوا يفتشون كتاباً كنتُ أضعه بجانبي على السرير فلما انتهوا من تفتيش الشنطة أخذتُ الكتب، ومن ضمنها كتاب (( نظام الإسلام )) وأعدتها إلى الشنطة .

وقمتُ عن السرير ففتشوه فلم يجدوا شيئاً، ولمَّا فتشوا أوعية (( إسحاق الطيطي )) وجدوا لديه نشرة (( سياسة التجهيل )) فحققوا معه فادَّعى أنَّه لم يقرأها، ويظنها من الأوراق التي توزع على المعلمين في الدورة التربوية، واعترف بأنني أنا الذي أعطيته إيَّاها .

فاستدعوني للتحقيق وسألوني: أأعطيته النشرة فانكرت؟ ظناً منِّي أنَّها نشرة: (( إلى متى الناس في السجون؟))
فقال لي : بل أعطيتني إياها.
فقلت: أرونيها، فقرأوا عنوانها، فأدركت أنَّها غير التي نحن بصدد توزيعها، وخشيتُ إن أنكرت أن يكشف (( إسحاق الطيطي )) بقية الشباب لما ظهر عليه من ضعف، فاعترفتُ لأحصر الأمر في شخصي فقط .

فأرادوا أخذنا، وكان الجرس يقرع للفطور، فقلت للمخابرات نريدُ أن نُفطر فسمحوا لنا بذلك، فدعوت إسحاق ليدخل معي للفطور فأبى، وظلَّ واقفاً حزيناً، فدخلت وطلبت من النادل (( السفرجي)) أن يحضر لي حصص ثلاثة أشخاص، فاستغرب المعلمون، وقدَّم كلٌ حصته فرفضتها، وقلتُ لهم: أتدرون من هم الثلاثة؟ إنهُم أنا وإسحاق وعز الدين الذي اعتقلته المخابرات في الليل نتيجة تجسس فلان وفلان البعثيين، فاحذروهم.

فخرج الاثنان من قاعة الطعام وهربا من الدورة، وبعد الفطور أخذوني وإسحاق إلى السجن، ووضعونا في النظارة، وقلت لإسحاق: إيَّاك أن تغير من إفادتك، وقل: أعطانيها يوسف السباتين، ولا تزد ولو حرفاً واحداً .

وأريته النشرتين اللتين معي فقال أين تريد بهما ؟ قلتُ لمن في السِّجن فسكت، واستُدعي وحُقِّق معه، ثم استُدعيتُ وجاء ضابط للتحقيق معي، فبدأ يسأل وأنا أجيب:

فقال: أأنت أعطيت النشرة لإسحاق؟
قلت:نعم .
قال: من أين جئت بها؟
قلت: أعاطنيها رجلٌ كان يُصلي يَومَ الجُمعة في المسجد .
قال: أهو الخطيب ؟
قلت: لا .
قال: فمن هو؟
قلت: أنا لستُ من سكان البلدة، ولا أعرف كلَّ الناس .
قال: صفه لنا .
قلت: رجلٌ يتحركُ بسرعة، فلم أتحقق من صفاته .
قال: أأشقراني هو؟ (( أراد خياطاً )) .
قلتُ: لا .
قال: أطويل هو أم قصير؟
قلت: وسط.
قال: أتستنكر حزب التحرير؟
قلت: لا.
فقال: لعسكريين كانا عنده خذاه ، فأمسكني، وذهبا بي
فسألتهما: إلى أين؟
قالا: إلى الإسطبل، لتقول من أعطاك النشرة.
فأدركت أنهما ذاهبان لضربي .
فقلت: أعيداني إليه، فأعاداني .
فقلت له: ما الذي تريد؟
قال: تقول من أعطى لك النشرة؟
قلت: قلتُ لك لا أعرفه، فتناولني بكفٍّ يريدُ به وجهي، فهبطتُ فأخذاني فثنى عليَّ بركلة من رجله، فقفزت إلى الأعلى ولم يصبني!
فالتفت وقلت له: لن تسمع مني غير الذي سمعت، وافعل ما تشاء.
فقال: خذاه إلى النظارة، فوجدتُ الأستاذ إسحاق جالساً حزيناً متأملاً أن يُطلقوا سراحه.
وبعد برهة استدعوني مرة ثانية للتحقيق، فلما دخلت على الضابط وإذا هو يدخن (( أرجيلة )) وأمامه فنجان قهوة.
قلت: الآن يُمكننا أن نتفاهم.
فقال: أريد أن أسألك مرة أخرى .
فقلت: اسأل، فسأل نفس الأسئلة، وسمع نفس الأجوبة.
فقال للعسكريين: أعيداه للنظارة، ومن النظارة أدخلونا السجن، فمكثنا فيه خمسة عشر يوماً .

وطلبوا منا الاستنكار، فاستنكر صاحباي، ولم استنكر، ثم سمح المتصرف بكفالتنا، فذهب والدي لقرابة لنا ليكفلني فأبى، فأخبرني والدي فقلت له: لا تتعب نفسك، فلا حاجة للكفالة، لأنني لم استنكر .

وجاء أهل صاحبيَّ باستنكاريهما وبكفالتيهما، وقدماهما للقائم قام وأخرجا ولديهما، فسأل أحد إخوة (( عز الدين عيده )) واسمه (( جمعة )): هل حصل يوسف السباتين على كفالة؟
فقال له أخوه: لم يحصل .
فقال (( جمعة )): لن أغادر هذه البلدة حتى أدبِّر له كفالة.

فذهب إلى تاجر في طولكرم (( من آل الزغير )): وطلب منه أن يكفلني فكفلني فخرجت. وكانت الدورة قد انتهت. ثم عدنا للمحاكمة أمام المتصرف (( إدريس التل )) فكمنا بالسجن شهراً واحداً، وبالنفي إلى الخليل ستة أشهر .
وبعد الخروج من السِّجن ذهبت إلى الخليل، ونزلت في فندق، ثم قدمت طلباً للمتصرف (( إدريس التل )) بالسماح لي بالعودة إلى العمل فكان جوابه بعدم العودة للعمل، واحتفظت بكتابه في جيبي.

كان والدي يسكن في مخيم عين السلطان في أريحا وزوجتي وابنتي عنده، فجاءني ذات يوم ومعه ابن عمٍّ لي وطلبا مني التوقيع على الاستنكار، وسيعيدني رئيس الوزراء إلى عملي، فأبيت وقلت لوالدي: إن كان لي رزق عند وكالة الغوث سأحصل عليه بدون (( بهجت التلهوني )) وبدون استنكار، وإذا لم يكن لي رزق عندها فلا (( بهجت التلهوني )) ولا غيره يأتيني برزق منها .

وكنت قد طلبت لهما قهوة فقاما غير راضيين، ولم يشربا القهوة، ونزلا من الفندق وعاد والدي إلى أريحا بعد أن هددني بأنَّه سيطرد زوجتي من بيتها. وجاء صاحب القهوة فأخذ الفناجين، ولم أجد معي قرشين أعطيه ثمنهما، فطلبتُ من صديق أن يعطي صاحب القهوة قرشين.


فصعدتُ إلى سطح الفندق، وصليتُ العصر، ودعوت الله: يا إنَّك تكفَّلت بالرزق، وأنت أعلم بالحال. ثم علمت أن مُدير التعليم في و #كالة_الغوث (( سلامة خليل )) طلبني.

فذهبت لمسؤول الأمن في #الخليل لآخذ تصريحاً بالذهاب إلى #عمان، فلما قدمت الطلب نظر الشرطي فيه، فطلب مني تغيير صيغته إذ ليس فيه كلمة (( سيدي )) وليس فيه ما يشعر بطلب الاستعطاف، فأبت عليَّ النفس بتغييره، فأعدته كما هو فقال: من كتبه؟ قلت: أنا فظن أنني لا أعرف غير هذه الصيغة فقبله، وبعد قليل غادر الشرطي، وجاء الموظف المسؤول فناداني
وقال: قدَّمت كفالة للمغادرة؟
فقلت: أما لهذه المرة فلا، ولكن قدَّمت في المرة الأولى، فأدخل الاستدعاء إلى ضابط المخابرات، فطلبني بدوره وطلب هويتي فوجدني من سكان أريحا، فنادى الموظف وقال: هذا من سكان #أريحا.
فقلت له: أنا معروف هنا، وقال الموظف: سيدي إنَّه معروف.

وكان النائب (( إسماعيل حجازي )) عند الضابط فقال: إنَّه معروف، ولم يكن يعرفني شخصياً، بل كان يعرف اسمي فقط لأني كنت أبعث له نشرات الحزب مع ابن أخٍ له .

فقال الضابط: معروف، معروف، وأنا أقول: معروف، وسمح لي بأسبوع، مع العلم أنَّهُ لم يكن يسمح لي بأكثر من يوم واحد، فمررت بأحد التجار من الشباب اسمه (( يونس قنيبي )) وقلت له: أعطني نصف دينار، فأنا لست حاملاً للنقود، وركبت الباص بخمسة وعشرين قرشاً إلى عمان .

وهناك ذهبت لمقابلة مدير التعليم فبادرني بالقول: أجئت؟ لقد جاءنا كتاب من المتصرف (( إدريس التل )) بالسماح لك بالعودة إلى العمل، وكان كتاب (( إدريس التل )) بعدم السماح لي بالعودة إلى العمل موجوداً في جيبي فلم أجبه على سؤاله.

وقلت له: لقد بعثت إليكم بقرار الحكم.
فقال: قرار الحكم يفيد أنك لا زلت في السجن.
فقلت له: ألم أقابلك بعد خروجي من السجن؟
فقال: هذا فهم الإدارة.
فقلت: أين هي؟ قال في الطابق الأدنى. فنزلت وقابلت مدير الإدارة.
فقال: أجئت بكتاب يسمح لك بالعودة للعمل؟
فقلت: بعثت لكم بقرار الحكم .
فقال: يفهم منه أنك لا زلت في السجن . فأخرجت له جواز سفري،
وقلت: أنا يوسف السباتين فهل يُعقل أن أكون عندك، وفي السجن في آن واحد؟
فقال: أقنعتني .
ثم طلب من مدير التعليم أن يُعيدني إلى عملي في الخليل لكوني منفياً .
فقلت له: معي اثنان، فاتصل بمدير التعليم مرة ثانية
وقال: اعتبر الآخرين مثله. بعثتُ في نفس اليوم لوالدي بعودتي للعمل فسُرَّ بذلك.
وقال : لن أعارضه أبداً .

منقول من كتاب - ((مذكرات حامل الدعوة لإقامة الخلافة)) المغفور له بإذن الله " يوسف أحمد السباتين " 
الطبعة الأولى
1428هـ - 2007م

تعليقات فيسبوك
0 تعليقات بلوجر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتصل بنا

الإسم الكريم البريد الإلكتروني مهم الرسالة مهم