فوق من الوسم الهد المغلق -------------------------------------- -->

الأحد، 24 يناير 2016

المبادرة إلى الإلتزام بالشرع




بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . . وبعد . . .

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: 
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) } (آل عمران 133).

هذه الآية فيها دعوةٌ لنا من الله سبحانه وتعالى أن نلتزمَ بشرعه بما أنزل من كتابٍ وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم . . ودعانا أن نبادرَ ونسارعَ إلى الإلتزام بهذا الشرع .. 

قال الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية : والمسارعة المبادرة . 
فتقدير الآية وسارعوا إلى ما يوجبُ مغفرة الله سبحانه وتعالى ودخول الجنة وهي الطاعة 
فالله سبحانه وتعالى في هذه الآية يدعونا إلى طاعته فتكون محصلة هذه الطاعة مغفرةُ الله سبحانه وتعالى ودخول الجنة . .

ولذلك فإن هذه الآية قد اشتملت على أمرين اثنين ..
الأمر الأول هي دعوة الله لنا يا معشر المسلمين أن نلتزم ونتقيد بأحكام الله سبحانه وتعالى 
وقال الله سبحانه وتعالى في آياتٍ أخريات أن الواجب على المسلم أن يجعل أساس حياته في هذه الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله ومقياس حياته الحلال والحرام .. 

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً (36)﴾. (سورة الأحزاب)


فإن الواجبَ على المسلم أن يجعلَ مقياسَ حياتهِ ومقياس أعماله في هذه الحياة الحلال والحرام فلا يقدم على أمرٍ ولا يترك أمراً من الأمور إلا بعد أن يعلم حكم الله سبحانه وتعالى ماذا قال الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر وماذا قال نبيه صلى الله عليه وسلم . .

فيقدمَ طاعةَ الله سبحانه وتعالى على كل أمرٍ من الأمور ويقدمها على ما يريده من هوى ويقدمها على عقله فيكونَ بذلك فعلاً عبداً لله سبحانه وتعالى .. 

فإن الله سبحانه وتعالى قد نفى الإيمان عن كل من يقدم المصلحة على الشرع . .
قال تعالى { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} (سورة النساء)

ولذلك قال أحد الصحابة (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعاً وطاعة الله وطاعة رسوله انفع لنا )
فالمسلم الحق المؤمن هو من يقدم طاعة الله سبحانه وتعالى ورسوله على كل مصلحة . .

فقد دعى الله تعالى إلى المبادرة فلا يكفي أن يقول العبد أنني سأبادر بالعمل وألتزم أمر الله تعالى و رسوله في الأيام القادمة بل إن الواجب على المسلم الحق أنه إذا علم الحقَ أن يتبعه في الحال لذلك قال وسارعوا .

قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ : (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا) . رواه مسلم

فأمر المسلم حينما يبادر بالإلتزام بأمر الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يعلم أن هذا الأمر قريبٌ منه إن إلتزم أمر الله ورسوله . . 

وكلنا نعلم قصة الأنصاري عُمير بن الحمام : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر : قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، فقال عمير بن الحمام : يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض قال : نعم ، قال : بخ بخ ، فقال : ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها ، قال : فإنك من أهلها ، فأخرج تمرات فجعل يأكل منهن ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي إنها لحياة طويلة فرمى بالتمرة ثم قاتل حتى قتل " رواه مسلم

وأذكر هنا قصة توبة الفضيل بن عياض
الفضيل بن عياض هو أحد الصالحين الكبار كان يسرق ويعطل القوافل في الليل، يأخذ فأساً وسكيناً ويتعرض للقافلة فيعطلها، كان شجاعاً قوي البنية، وكان الناس يتواصون في الطريق إياكم والفضيل إياكم والفضيل ! والمرأة تأتي بطفلها في الليل تسكته وتقول له: اسكت وإلا أعطيتك للفضيل .
أتى الفضيل بن عياض فطلع سلماً على جدار يريد أن يسرق صاحب البيت، فأطل ونظر إلى صاحب البيت فإذا هو شيخ كبير، وعنده مصحف، ففتحه واستقبل القبلة على سراج صغير عنده ويقرأ في القرآن ويبكي ..
انظر الفرق بين الحياتين: هذا يقطع السبل، لا صلاة ولا صيام ولا عبادة ولا ذكر ولا إقبال .
جلس الفضيل ووضع يده على السقف وظل ينظر إلى ذلك الرجل العجوز الذي يقرأ القرآن ويبكي، وعنده بنت تصلح له العشاء، وأراد أن يسرقه وهو بإمكانه؛ لأن ذلك الرجل قوي، وهذا الشيخ لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، فمر الشيخ بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]
فنظر الفضيل إلى السماء وقال: يا رب! أني أتوب إليك من هذه الليلة، ثم نزل فاغتسل ولبس ثيابه وذهب إلى المسجد يبكي حتى الصباح، فتاب الله عليه، فجعله إمام الحرمين في العبادة، هذا السارق أولاً أصبح إمام الحرمين الحرم المكي، والحرم المدني.

فلا تقنطوا من رحمة الله أخوة الإسلام وكلنا نعلم أننا نعيش في أيام صعاب والقابض فيه على دينه كالقابض على الجمر من النار . . فبادروا إلى أمر الله ورسوله وأسرعوا في العمل لطاعتهم لتنال رحمة الله وشفاعة رسول الله . . وتكون من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . . 
فطاعة الله يدخل بها كل أمر يقربنا إليه من صلاة وصيام وزكاة وحج وصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وموالاة أحباب الله ومعاداة أعداء الله والبراء منهم والعمل لتحكيم شرع الله .. 

فكل إبن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون هذا ما أخبرنا به رسول الله فبادروا بكل خير وكن كأنك الإسلام الذي دب على الأرض لتنال عز الدنيا والآخرة 

واسأل الله أن يفتح قلوبنا لخير ما يحب ويرضى وأن يعجل لنا بقيام دولة الإسلام وأن يجعلنا من شاهديها وشهدائها وما ذلك على الله بعزيز . .

تعليقات فيسبوك
0 تعليقات بلوجر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتصل بنا

الإسم الكريم البريد الإلكتروني مهم الرسالة مهم